يرجع تأسيس هذا المأتم إلى عائلة بن رجب ، وهي إحدى العوائل البحرينية العريقة والتي تسكن فريق الحطب ، والمسمى حالياً بفريق كانو في المنامة ، وكذلك يسكن بعض أفراد هذه العائلة الكبيرة في فريق الحمام المعروف اليوم بفريق المخارقة ويسكن القسم الثالث في منطقة النعيم .
وهذه العائلة تشترك مع عائلة بن حمد وبني سعد في علاقة نسب ، حيث أن العائلات الثلاث بن رجب وآل حمد وبني سعد ينحدرون من حيث الأصل من جد واحد ، وعائلة الحمد تسكن فريق المخارقة الآن ، أما عائلة سعد فقد انتقلت من البحرين واستوطنت قطر حيث يسكنون فريق النعيم .
كما أن عائلة بن رجب تشترك مع عائلة بن ماجد وهي من العوائل الوجيهة في بلاد القديم وجدحفص ، حيث يشكلون أبناء عمومة .
ويرجع أصل هذه العوائل الثلاث إلى شبه الجزيرة العربية ثم انتقلت إلى البحرين ، حيث استوطنت عائلة رجب قرية الحجر المعروفة ، ونزح بعض أفرادها إلى قرية سلماباذ ، وقرية الرويس التي كانت تقع بالقرب من قرية بوري ، وقد اندثرت قرية الرويس الآن .
وقد هاجر البعض من عائلة بن رجب منهم من أهل العلم وعلى رأسهم الفقيه العالم الشيخ محمد بن الحسن بن رجب الذي جاء ذكره في كتاب أنوار البدرين إلى إيران زمن الدولة الصفوية ، وهو الذي أقام أول صلاة الجمعة في بلاده البحرين ، ونظم المقاومة ضد الإحتلال البرتغالي لبلاده الذي استمر من 1521 إلى 1602م ، ثم قاموا بعد طردهم من البلاد بمحاولات يائسة خلال 1602 - 1622 لإستعادة نفوذهم عليها .
وقد صحب هذا العالم الفقيه الشيخ محمد بن الحسن بن رجب في هجرته إلى إيران عدد كبير من أفراد أسرته ومن علماء الدين ، وأسس هناك مدرسة دينية جعل لها فروعاً في ست قرى إيرانية منها مدرسة قرية الروين في المحمرة .
وقد ترك هذا الشيخ الجليل عوائل من ذريته من أصل بحريني يسمون جبر ومقلى ورجب زاده ، ولقد تقلد بعض أبناء هذه العوائل مناصب القضاء في إيران في أيام الدولة الصفوية ، كما تقلدوا بعد ذلك في المناصب الحكومية المختلفة .
أما من بقي في البحرين من آل رجب قد نزحوا من مسقط رأسهم في قرية الحجر إلى بلاد القديم ، حيث " حكموا وجددوا ارتباطهم ببني عمومتهم آل ماجد " .
وكانت لآل رجب مزارع في منطقة المنامة ، وبوجود ميناء الحورة الذي سبق ميناء أو فرضة المنامة بعد ترة طويلة جداً ، أصبحت لهم مصالح في المنامة مما دفعهم إلى الأستقرار النهائي فيها وبناء بيوت لهم يتوسطها مأتمهم المعروف بمأتم بن رجب الذي يعتبر من أقدم الحسينيات في البحرين .
ومن مزارعهم المعروفة في المنامة دالية عبدعلي بن منصور بن رجب الذي جدد البيت الذي يلي سورها ، وذلك منذ مائة وعشرين سنة ، وكانت هذه الدالية والبيت الذي خضع للتجديد من قبل عبدعلي بن منصور بن رجب يرجع إلى إبراهيم بن محسن بن رجب الذي نفاه الإنجليز إلى الهند .
ومن بساتين عائلة بن رجب بستان أبو راجح الذي يحاذي القاعدة البريطانية في الجفير ، وأخر من تملك هذا البستان من العائلة هو الحاج عبدالرسول بن عبدالله بن رجب .
أما تسمية حنفيش التي ارتبطت بعائلة بن رجب فهو لقب لأحد أشهر وأبرز رجال هذه العائلة وهو الحاج أحمد بن رجب الذي تزوج من بنت الشيخ أحمد بن ماجد حاكم بلاد القديم في فترة ما قبل الغزو الخليفي وزوجته هذه هي إبنة الشيخ أحمد بن ماجد اسمها مشايخ ، وكان هو أي زوجها يلقب بالشيبه لكونه في عهده عميد العائلة وشيبتها ( شيخها ) وبعد ذلك لقب بحنفيش ومعناها رأس الأفعى وذلك لدهائه الذي تميز به ، وهذا اللقب جاءه من تجار البحارنة الذين يسكنون عمان وبندر لنجه .
ترتبط هذه العائلة ( أي عائلة بن رجب ) بوشائج نسب من أشهر وأعرق العوائل في البحرين ومن هذه العوائل عائلة آل ماجد التي سبق ذكرها ، وعائلة نصر بن عباس التي يلقب أفرادها في دولة الإمارات العربية المتحدة بالعباسي ، ويطلق عليهم في البحرين بعائلة الشيخ .
وكان نصر بن عباس هذا يلقب بقط بندر لنجة وكذلك إبراهيم بن نصر بن عباس فهو إبن خالة عبدالرسول بن عبدالله بن محمد بن رجب وكذلك إبراهيم بن نصر بن عباس فهو إبن خالة عبدالرسول وأحمد ونصر أبناء عبدالله بن رجب وأمهم خديجة ابنة أحمد بن جاسم بن رجب الملقب ببن حنقيش .
كما تنتسب عائلة بن رجب بعائلة القاروني أو القاهري ، حيث أن زكية ابنة السيد حسين أخت السيدعبدالقاهر هي زوجة للحاج أحمد بن عبدالله بن رجب ، وبعد وفاته تزوجها أخوه عبدالرسول .
كما ترتبط عائلة بن رجب مع عائلة بن جحير الموجودة في قرية بوري وعائلة الفرساني وبن خميس وهما يقطنان السنابس ، وعائلة البقالي ومنديل وبن جمال مؤسس مأتم مدن وكذلك بعائلة بن أمان والقصاب والعالي الموجودة في الزنج والمنامة وكذلك عائلة السيد خلف الذين منهم السيد سعيد .
أما أشهر رجالات عائلة بن رجب منهم عبدالله بن محمد بن رجب ومنصور بن رجب وبعدهما أصبح عبدعلي بن منصور وعبدالرسول بن عبدالله أشهر رجالات العائلة ، أما أخر رجالات هذه العائلة البارزين فهو المرحوم الحاج حسن بن عبدالرسول بن عبدالله بن رجب . وقصة نزوح عائلة بن رجب وتمركزها في المنامة ، فكان ذلك بعد دخول آل خليفة البلاد عام 1783م بقيادة أحمد بن محمد بعد مقتل الشيخ أحمد بن ماجد حاكم بلاد القديم .
قصة بناء الحسينية :
قلنا أن مأتم بن رجب هو من أقدم مآتم المنامة وقد جدد بناء هذه الحسينية عبدالله بن محمد بن رجب منذ ما يقارب المائة والستين عاماً . وبعده قام بترميمها وإصلاحها إبنه أحمد بن عبدالله بن رجب الذي جاء بالفنيين والمعماريين من الهند ، وقد توفي أحمد بن عبدالله بن محمد بن رجب وهو في عز الشباب ، وبعد وفاته تولى مسؤلية المأتم الحاج ماجد بن الحاج أحمد بن جاسم بن رجب والحاج أحمد كما سبق التنويه هو ، الذي لقب ببن حنفيش ، وهو خال أبناء عبدالله وحمد وعبدالرسول بن عبدالله ومرزوق .
بعد ذلك أصبح المتولي على المأتم عبدالرسول ، ولكن بسبب وجوده خارج البلاد ( في الهند ) وقدوم شهر محرم وصفر تولى إدارة المأتم عبدالله النوخذة يعاونه أحمد بن ضيف ، وفي أوخر عهد عبدالرسول قام بخدمة المأتم المرحوم حسن بن علي المديفع مع أحمد بن ضيف ، كان ذلك قبل أن يتحول المديفع إلى المأتم المعروف بأسمهم .
وبوجود عبدالرسول كذلك تولى إدارة المأتم إبنه حسن ، وبعد وفاة حسن تولى أبناؤه وهم محمد ومنصور وجعفر وعبدالمحسن وعيسى وفيصل وتقي وعبدالله يساعدهم في هذه الإدارة أعمامهم وأهالي المنطقة كل يقوم بدوره مشكوراً حتى الآن .
العوائل التي تسكن المنطقة : ويجاور مساكن آل رجب عائلة العريض ولها مأتم باسمها والمطوع والصفافير وكويتان والعوامي وبن خلف والدعسكي والمتروك والميلعن والمخرق والمجنون والمؤذن والجشي والضائغ وأبو هندي ، وبيت السيدعلي التاجر وبيت النوخذة وحميدان وبن ربيع والخور وبن غانم وبن رضي والنهاش والقصاب وبن منديل والمهميلي والطويل والعالي والقطان والدلال والسماهيجي والخير والشريفة والسيدشبر والقصاب وميرزا اسماعيل والصالح وغيرهم .
وتجاور بيوت بن رجب في فريق كانو عائلة درويش والصباغ وقراطة والوزان والقصاب وعتيق وكانو .
أما أخر تجديد لبناء المأتم ، فقد تم في عهد المرحوم حسن عبدالرسول بن رجب قبل حوالي أربعين عاماُ وبالتحديد ما بين 54- 1955م ، حيث جدد البناء على نفقته وبنفس هندسته التي سبقت التجديد الأخير ، ما عدا تغيير في شكل الأعمدة الدائرية ، فأصبحت مربعة أو مستطيلة ، وكانت الأقمار رومية ، فأصبحت نصف دائرة والنوافذ كانت على شكل الأبواب وتمتد من الأرض حتى تصل إلى قامة الرجل ، فأصبحت مرتفعة بمقدار أربعة أقدام عن الأرض .
وكان مأتم بن رجب مجمع الأعيان والتجار ورجال الدين وأصحاب الحل والعقد على المستوى الشعبي في المنامة والقرى ، كما كانت عائلة بن رجب على صلات طيبة مع الأسرة الحاكمة ، وكان العديد من الأهالي يلجأون إلى إخفاء أعز ما يملكون من أغراض أو أموال في بيت عائلة بن رجب أثناء حالات إضطراب الأمن ونشوب الفتن الأهلية التي كانت تحدث في السابق ، حيث يرفع على المنزل علم بيت الدولة الانجليزي ، فيصبح حرماً منيعاً لا يستطيع أحد أن يتعرض إليه أو لمن فيه بسوء .
بقي أن نشير إلى أن عبدعلي بن منصور بن رجب وعبدالرسول بن عبدالله بن رجب من الذين ساهموا في تأسيس دائرة الأوقاف الجعفرية في البحرين برئاسة السيدعدنان الموسوي وكذلك المدرسة الأهلية الجعفرية المعروفة حالياً بمدرسة أبو بكر الصديق .
وكان موكب عزاء هذا المأتم من أكبر مواكب العزاء قاطبة ، حيث كان يشترك فيه بالإضافة إلى سكان فريق الحطب والمخارقة ، جماعات أخرى من رأس رمان والماحوز والغريفة والحورة والجفير والسقية والديه والزنج وسترة وبلاد القديم وكرزكان وعجم المنامة في عهد أبو طالب وسيدصادق بوشهري وكذلك الحيدر أباديين الذين كانت منهم جالية كبيرة ، حتى بلغت حلقات الصدر حوالي ثمانية وأربعين حلقة في أحد السنين ، كما كان به فرقة لضرب الحيدر والصنقل ، ثم توقفت هذه وأعيدت فرقة القامة ( الحيدر ) منذ بضع سنين والتي توقفت هي الاخرى منذ محرم 115هـ / 1994م .
وكانت بداية موكب العزاء تصل للمأتم بعد رجوعها ونهايته ما زالت لم تخرج من منطقة المأتم وذلك بما يشتمل عليه هذا الموكب من شبيهات وخيول وخيام وغير ذلك مما يبرز صورة حية لما حدث في كربلاء منذ مئات السنين .
وللمأتم أوقاف منها بيت يعرف ببيت العبيد ودكاكيين وبيوت أخرى أوقفها الحاج حسن بن رجب ومن تولى قبله ، كما أن للمأتم أرض أشتراها للمأتم الحاج حسن بن رجب منذ زمن بعيد بمبلغ مائة وخمسين روبية .
وقد تولى الخطابة في المأتم العديد من الخطباء منهم الشيخ أحمد العصفور والشيخ علي السعف والشيخ إبراهيم الجفيري والشيخ حسن الكوري وملا جعفر وهو من الديه والشيخ حسن آل نتيف والشيخ عبدالأمير الجمري والشيخ مكي الجزيري الذي لم يدم أكثر من سنة والشيخ محمد حسين بن الشيخ علي الصغير ، وسيدعباس سيد عبود الحلي ، وسيدعلي الشخص وسيدحسين الشامي وسيدشريف سيدمحمد صالح المحمدي وهو من المحمرة والشيخ عباس القحام وسيدضياء بن سيدعلوي القاروني ، وملا أحمد بن رمل الذي قرأ مدة سبع سنوات متواصلة وسيد محمدصالح سيدعدنان ، وملا إبراهيم وهو من البصرة وملا ابن عبدالجبار والجامد وهو من مشاهير خطباء المنبر الحسيني القادمين من القطيف ، وملا حسن بن الشيخ .
كما حضر المأتم للزيارة أو لإلقاء المحاضرات كل من الإمام موسى الصدر مؤسس حركة أمل اللبنانية والشيخ محمد طاهر الخاقاني بن الشيخ عبدالحميد بن الشيخ " عيسى الخاقاني " الذي زار البحرين في ولاية عبدالله بن رجب وسيدعلوي بن سيد جواد الذي أقام في البحرين لمدة ستة أشهر وكان كثير من الخطباء يسكنون في غرفة تابعة للمأتم أو قد يستأجر له بيت يسكنه طوال شهري محرم وصفر .