قليل أولئك الذين يحملون على عاتقهم قضية تحرير ( العباد والبلاد ) من سيطرة ( الذات والطغاة ) .
قليل أولئك العلماء الذين يعتقدون بـ ( وجوب جهاد العدو ) في زمن غيبة الإمام القائم ( عجل الله فرجه الشريف ) .
وقليل جداً أولئك الذين يسعون بكل واسعهم لإحقاق الحق ولكنهم يقتلون دونه في غربة عن الأهل والوطن .
وقليل أيضاً أولئك الذين ينتصرون لهذه القلة ويذكرونهم في كل ملة ولكن الله يقول :
( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين ) إنه الله الذي لا ينسى عبده وإن غطّى عليه تراب الأرض والتاريخ ظلماً وهو الذي يبعث العزم في العباد لينصروا المظلومين من قبلهم .
نعم ذلك هو الشيخ عبدالله البلادي ( عليه الرحمة ) وهذا هو أنت الذي تقرأ هذه السطور وتذكر المظلومين من قبلك بخير .
الشيخ عبدالله البلادي المشهور في ألسنة أهل البحرين قديماً بالشيخ عبدالله ( أبو الجلابيب ) قال عنه المحدث الصالح الشيخ عبدالله بن صالح السماهيجي المعاصر له :
" وأخي الشيخ الأفضل الأعدل الأكمل الشيخ عبدالله بن علي بن أحمد البلادي البحراني فاضل كامل ، خصوصاً في علم الكلام ، ثقة عدل متورع عاقل رزين صالح أمين " .
وقال عنه تلميذه الشيخ يوسف في كتابه ( لؤلؤة البحرين ) :
" كان فاضلاً سيّما في الحكمة والمعقولات إلا أنه كان قليل الرغبة في التدريس والمطالعة في وقتنا الذي رأيناه وله رسالة في علم الكلام ورسالة أخرى في علم الكلام كتبها للشيخ أحمد بن شيخ الإسلام ورسالة في ( نفي الجزء الذي لا يتجزأ ) – من بحوث الفلسفة – ورسالة في ( وجوب جهاد العدو في زمن الغيبة ) ورسالة – حقوقية – في ( عدم ثبوت الدعوى على الميت بشاهد ويمين ) وللوالد ( قدس سره ) رسالة في الردّ عليه في ذلك قد أختار ثبوت الدعوى المذكورة بالشاهد واليمين كالدعوى على الحيّ " .
وله رسالة – كما عن ( أنوار البدرين ) – في الجواب على المسائل التي بعثها إليه من القطيف السيد محمد الصنديد القطيفي والرسالة بخط الشيخ نفسه موجودة في مكتبة الناقل – صاحب ( أنوار البدرين ) – وله رسالة أخرى حول ( الرضاع ) كتبها في جواب سؤال من السيد محمد أيضاً .
ونحن هنا عند رسالته التي يبحث فيها عن ( وجوب جهاد العدو في زمن الغيبة ) وهناك من العلماء من يرى عدم الوجوب لاشتراطهم كون قيادة الجهاد بيد الإمام المعصوم !! لسنا في صدد مناقشة هذا الرأي لوضوح بطلانه وضعف أدلته وجبن أنصاره وهو مستند المتقاعسين في كل زمان وحشيشهم الذي به يحملون دخول الجنة بغير حساب ! الجهاد في سبيل الله وخاصة لدفع العدو عن بلاد المسلمين وردع الغزاة ليس أمراً شرعيّاً وله أدلته من القرآن والسنة فحسب بل أمر تمده الفطرة النقية لكل إنسان بالشرعية الكاملة .
ولقد أثبت العالم المجاهد الشيخ عبدالله البلادي في كتابه هذا الوجوب الشرعي للجهاد ضد الأعداء والتزم بما كتبه ، فحياته ( عليه الرحمة ) كانت ( جهاداً مسلحاً ) قارع فيها غزو الخوارج على البحرين من مسقط وقاوم بداية الإحتلال بمختلف أشكاله وأنواعه وقاد مع بقية زملائه ثورة الشعب البحراني المسلم في مواجهة الهجمات المتتالية على البحرين ولما بلغت هذه الهجمات أقصاها ونفذت الدخائر الحربية للمقاومة الشعبية سافر الشيخ عبدالله الثائر البلادي لجمع العتاد وتثوير همم البحارنة الذين كانوا يعيشون في إيران .
وصل إلى شيراز وعليه غبار الجهاد وعلى جيده وسام البطولة وقلادة المسؤولية الشرعية التي يفرّ منها البعض دائماً !
وهو يؤدي مهمته الجهادية في الهجرة لم يمض شيء من الزمان إلا وقد عاجمته المنية فقضى نحبه في شيراز عام 1148هـ .
شهدت له مواقفه الشجاعة أنه لم يفرّ من ساحة القتال ، بل كان في محور من محاوره لأنه ( رحمه الله ) ما كان قادماً إلى شيراز بحثاً عن العيش الهادئ والراحة الدنيوية إنما قدم إليها لأجل ( إصلاح مقدمات البحرين ) كما يعبّر عنه تلميذه الوفيّ الشيخ يوسف البحراني الذي يكتب عنه في ( لؤلؤته ) قائلاً :
" توفي ( قدس سره ) في شيراز في عام جلوس الطاغي والباغي ( نادر شاه ) ودعواه السلطنة وقد أرخ ذلك ( الخير فيما وقع ) وقد قلبه بعضهم إلى ( لا خير فيما وضع ) وهو عام 1148هـ ودفن في قبة السيد أحمد ابن مولانا الكاظم (ع) المشهور ( بشاه جراغ ) وأنا يؤمنذ كنت في شيراز إمام جمعتها وجماعتها في جامعها المشهور ، إلا أنه لما ورد الشيخ – عبد الله – في إصلاح مقدمات البحرين – لما استولت عليها الأعراب وأوقعوا فيها الخراب – قدّمته في الصلاة حيث أنه شيخي وأستاذي ، فلم يبق إلا مدة يسيرة حتى توفي بها " .
استخدم صفتي ( الطاغي والباغي ) لنادر شاه يعبّر عن الموقف الإسلامي الصحيح من صاحب اللؤلؤة الشيخ يوسف تجاه ذلك الحكم الفاسد وتاريخ الحادث بجملة ( الخير فيما وقع ) وقلبها من جانب البعض بـ ( لا خير فيما وقع ) يدلّ على الوضع السياسي المتأزم في إيران آنذاك وتقديم الشيخ يوسف لأستاذه الثائر المجاهد الشيخ يوسف لقضية الجهاد في البحرين رغم أنه لم يتطرق لفقه الجهاد في كتابه الكبير ( الحدائق الناظرة ) .
وتعبيره عن الغزاة بلفظة ( الأعراب ) دقة منه في الإختيار المناسب لأن القبائل غزت البحرين وقتلت الأبرياء من الناس والعلماء ودمرت المساكن والمزارع وأحرقت المساجد والمدارس والمآتم والكتب الإسلامية لم يكونوا عرباً حقاً كما يزعمون ، إنما هم الأعراب الذين قال عنهم القرآن الكريم : ( الأعراب أشدّ كفراً ونفاقاً ) وكذلك هم يفعلون .
فالإطار العام لخطي الحق والباطل واضح كالشمس في رابعة النهار لا يفرق وضوح الحق والباطل سواء في التاريخ الغابر أو التاريخ الحاضر .
( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا إنفصام لها والله سميع عليم . الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أوليائهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) .
فالعلامة الثائر ، القائد المهاجر ، الشيخ عبدالله البلادي المجاهد رمز من رموز حركة المقاومة الإسلامية المسلّحة في البحرين وسوف يكون من الخالدين في تاريخ الفضيلة والإباء كغيره من المجاهدين والعلماء ومثل هذا الرجل ذو الإهتمام الجهادي الكبير من حقه أن لا تكون له رغبة في ( التدريس ومطالعة الكتب الحوزوية ) لأنه قد درس من قبل ودرّس وكتب حتى بلغ مرحلة العمل الميداني وممارسة العطاء وهو الهدف من وراء الدرس والتدريس وليس العكس كما يعتاد عليه البعض إذ يستأنس بالوسيلة فينسى الهدف .
علماً أن هذا العالم المجاهد قد أعطى في المجالات العلمية أيضاً كما قرأنا عن بحوثه ورسائله آنفاً ، فعليه رحمة ربهوعلينا التأسي بخطه وهمّته وإن الله لا يضيع أجر المحسنين .
أبرز صفاته وعطائه :
الوعي الثوري والتأليف والتصدي القيادي