العالم المحدث ، الصالح التقي ، الشيخ عبدالله ابن الحاج صالح السماهيجي البحراني .
السماهيج قرية من جزيرة المحرق الواقعة شمال شرقي البحرين وهي ضمن دائرة قرى العراد والدير والقلالي والحد والبسيتين .
فتح عينيه فيها سنة 1076هـ
ثم أنتقل منها مع أبيه وسكن قرية أبو صيبع
درس وتربى في مدارس حوزة البحرين العلمية حتى تجسدت فيه الكثير من الخصال الحسنة والتي أهمها – كما في كتاب ( لؤلؤة البحرين ) – أنه كان صالحاً ، عابداً ، ورعاً ، شديداً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، جواداً ، كريماً ، سخياً ، كثير الملازمة للتدريس والمطالعة والتصنيف لا تخلوا أيامه من أحدها .
قال فيه العلامة السيد عبدالله ابن السيد نعمة الله الجزائري المتحدث الشهير إنه : " من أعيان الفضلاء الذين عاصرناهم ولم أره ولم أرو عنه ، لكني استفدت من كتبه ومصنفاته كثيراُ ، فأحببت أن أتلو منه ذكراً في هذه التذكرة ، كان عالماً فاضلاً محدثاً متبحراً في الأخبار عارفاً بأساليبها ووجوهها ، بصيراً بأغوارها ، خبيراً بالجمع بين متنافياتها وتطبيق بعضها على بعض ، له سليقة حسنة في فهم الإحتياط " .
ويواصل قائلاً : " إن المولى الصالح مقصور علي بن علي النجار قد إلى الشيخ السماهيجي مسائل شرعية عديدة فأجاب عليها وسمّاها : النفحة العنبرية في جوابات المسائل التسترية " – نسبة إلى مدينة " تستر " الإيرانية .
يقول السيد عبدالله : " هي أول ما أتانا من مصنفاته فشوّقني ذلك إلى الهجرة إليه إلى بهبهان فلم يأذن والدي بسبب اختلال الدروب وثوران الفتن والحروب ، هي السنة التي استولى فيها الأوغام على العراق سنة 1135هـ وبلغنا نعيه في ذلك بأيام ، تغمده الله برجمته " .
ويضيف : " انه لما سافر إلى بهبهان ، فيما استكتبت عدةً منها من تلامذته وأصحابه وعمدتهم السيد عبدالله البحراني وهو خليفته في صلاة الجمعة وغيرها .
وكان والدي _ رحمة الله عليه ) لما اطلع على مصنفاته كثيراً ما يصوغ تحقيقاته ويرجّح أختياراته ورأيت جماعة من أصحابه الذين عاشروه ومارسوه سفراً وحضراً يصفونه بغاية الزهد والورع والفتّوة والتواضع وسائر مكارم الأخلاق " .
والشيخ عبدالله السماهيجي ( عليه الرحمة ) ينقل ويروي عن جماعة كثيرة من فضلاء البحرين وغيرهم ، أعظمهم شأناً الشيخ سليمان بن عبدالله الماحوزي وقد أثنى على الشيخ في مؤلفاته ثناءً بليغاً ووصفه بغاية الوصف والحفظ والذكاء وحسن التقرير .
له جملة من المصنفات ذكرها في إجازته للشيخ الفاخر الشيخ ناصر الجارودي الخطي وكان تاريخ فراغه من هذه الإجازة في بلدة بهبهان في إيران عصر يوم الإثنين 23 من شهر صفر سنة 1128هـ منها كتاب ( جواهر البحرين في أحكام الثقلين ) رتب فيه الأخبار وبوّبها على نهج آخر غير صاحب الوافي والوسائل وكتاب ( المسائل المحمدية فيما لابد منه من المسائل الدينية ) وكتاب ( صحيفة العلوم والتحفة المرتضوية ) ورسالة إسمها ( مسائل الجداول وجداول المسائل ) وكتاب ( مصائب الشهداء ومناقب السعداء ) في خمسة مجلدات وكشكول جامع أسمه ( رياض الجنان المشحون باللؤلؤ والمرجان ) وكتاب حول الخطب والمواضيع التي تتناسب مع الأعياد وكتاب ( ذخيرة العباد لترجمة زاد المعاد ) يعتبر من أحسن كتب الأدعية والتزكية وله رسالة حول ( التهاني والتعازي في مواليد النبي والأئمة المعصومين (ع) ووفياتهم ) ورسالة حول صلاة الليل اسمها ( ناشئة الليل ) وله ( عليه الرحمة والرضوان ) رسائل كثيرة جداً حول مختلف القضايا الإسلامية والأحكام الفقهية والشؤون الأخلاقية إلى جانب تأليفاته في علم النحو والصرف والأدب ، ألف بعض تلك الرسائل في مشهد الكاظمين (ع) .
بطبيعة الحال حسب ما اشتهرت البحرين بالأهوال وتغيّر الأحوال فإن أكثر مؤلفات الشيخ السماهيجي كغيره من العلماء قد ذهبت تحت ركام الحروب واندرست بعد الدمار والهروب .
يقول الشيخ علي البلادي في كتابه ( أنوار البدرين ) : " إنه – أي الشيخ عبدالله السماهيجي – أستوطنها – يعني بلدة بهبهان في إيران – لما أخذت الخوارج بلدة البحرين وكان قد خرج – أي الشيخ – من البحرين في الواقعة الثانية من وقائع قدوم الخوارج إليها وكانوا قد أتوا أول مرة في غراب واحد وانضمت إليهم الأعراب من أعداء الدين فردّ الله كيدهم في نحورهم ولم يتمكنوا من أخذها ، ثم بعد سنة قدموا في سبع برش – يعني سفن – وانضمّت إليهم الأعراب وقد أرسل السلطان شاه حسين خان من أهل الدشت مع جملة من العسكر قبل وصولهم – أي الخوارج – فانحدر أيضاً عليها في جمع غفير وكان أهل البحرين قد استعدوا بالأسلحة وساعدهم العسكر المذكور فوقعت الحرب وهم في السفن فقتل منهم – أي الخوارج – جماعة فردّوا بالخيبة " .
نعم انهزم المهاجمون الخوارج في المرة الثانية أيضاً لما واجههم شعب البحرين المسلم مواجهة مسلّحة وبقيادة علماء الدين المجاهدين والذي كان الشيخ عبد الله السماهيجي واحد منهم بل في طليعة المتحركين لتقوية العتاد والتحريض على الجهاد وتعبئة طاقات العباد لمنع تسرب الفساد إلى البلاد .
لذلك قام الشيخ عبدالله السماهيجي ( عليه رحمة الخالق البارئ ) بالسفر إلى إيران حيث كانت تساند أهل البحرين للدفاع عن كرامتهم وأرضهم ولو لم تكن مساندتها لهم من منطلق الصدق والإسلام الرسالي إلا أنها كانت بالنسبة لظروف الضعف المحيطة بالشعب آنذاك خير وسيلة لردّ أكبر الشرّين بعون أصغرها إنطلاقاً من هذه السياسة المبدئية لتلك المرحلة العسيرة ، سافر الشيخ السماهيجي إلى أصفهان كي يسعى عند الشاه للحصول على دعم اكثر في الكفاح المسلح والجهاد المقدس الذي كان يخوضه شعبنا المسلم في البحرين ضد المحتلين والجائرين ، ألا أن سفرة الشيخ لم تكن موفقة لأن الشاه كانت أموره في إيران مدبرة وسلطته آخذة في الأفول ، فرجع الشيخ السماهيجي بالخيبة مما كان يأمله ، فتوطن في بلدة بهبهان لظنه رجوع الخوارج إلى البحرين للمرة الثالثة وهكذا كان حيث اتفق رجوعهم إليها فحاصروا جزيرة البحرين ومنعوا الدخول إليها والخروج منها وانضم لمساندتهم أعداء الدين من الأعراب والقبائل البدوية المتوحشة فاقتحموا البحرين بعد حصار دام وقتاً طويلاً جداً فاحتلوها ولكن بالمرور على أجساد الشهداء وجماجم الأبرياء وعمائم العلماء وكان من أولئك الشهداء السبعين من طلبة وعلماء مدرسة الشيخ داود في جزيرة النبيه صالح .
هذا وقد توفي الشيخ السماهيجي المجاهد في ليلة الإربعاء التاسع عشر من شهر جمادى الثانية سنة 1135هـ تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنته وقام مقامه في العمل الإسلامي السيد عبدالله البلادي البحراني في مدينة بهبهان .
نعم توفي الشيخ في غربة الهجرة وانتهت الآمه الدنيوية وهو الآن مخلّد في نعيم الجنة ومات أيضاً كل الذين كانوا يعادونه ويعادون أمثاله من مجاهدي البحرين ولا نشك في عدالة الله القاضية بخلود المجرمين في سعير جهنم .
هذه سنة الله في هذه الحياة وهي سنة كانت قائمة ولا زالت ولا تزول إلا بزوال حياة الدنيا ولقد أجاد الإمام الباقر (ع) ببيان هذه السنة بقوله :
" الدنيا سوق ربح فيها قوم وخسر آخرون " .
والسؤال المطروح هنا :
هل أنت ، أنا ، نحن من الرابحين في هذا السوق أم من الخاسرين ؟
الإجابة تكمن في أعمالنا فقط وفقط
( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) .
أبرز صفاته وعطائه :
التفقه والجهاد والهجرة والتأليف