مأتم الإحسائيين
عرف أهالي البحرين ، أهالي منطقة الإحساء منذ أمد بعيد وقد ساهم في وجود هذا التقارب والألفة ظروف كثيرة وأسباب متعددة منها كون أبناء شبه الجزيرة العربية بمن فيهم سكان البحرين يرجعون في أنسابهم إلى أصول عربية واحدة ، حيث القبائل العربية المهاجرة من مواطنها الأصلية في أعماق الجزيرة العربية إلى أطرافها ، حيث الأراضي الخصبة الأكثر غنى ، كماهو واقع حال الساحل الشرقي للجزيرة العربية لا سيما الإحساء والقطيف والبحرين . ولهذا يرى الباحث أن العديد من أسر البحرين ترجع في نسبها إلى نجد أو الحجاز أو أقليم البحرين على أمتداده من الكويت شمالاً إلى عمان جنوباً ، مما أوجد تشابها في الأنشطة الأقتصادية للسكان سواء من حيث الزراعة او الثروة البحرينأو الأعمال الصناعية والتجارية أو نمط الحياة البدوية .
وترجع علاقة الإحسائيين بالبحرين كما أكدنا إلى سنين بعيدة مضت ولكن علاقتهم بالبحرين كمركز يمارسون فيه شعائرهم الدينية قد ترجع إلى حوالي مائة وخمسين عاماً ، لما تمزيت به البلاد من حرية العبادة وكفالة ممارسة الشعائر الدينية . وقد دفع بعض سكان الإحساء إلى السكن في البحرين هو تشابه البيئة المتمثل في البيئة الزراعية ذات الوفرة في الموارد المائية العذبة وصلاحية التربة للزراعة .
وقد جاء الرعيل الإحسائي الأول إلى البحرين بحثاً عن الأمان وعن الظروف الأقتصادية الافضل ، فأشتغل بالزراعة في بساتين قرى البحرين وفي مهنة النجارة وخياطة العبى والبشوت ، حيث تركز أكثرهم في فريق الحمام المعروف اليوم بفريق المخارقة ، وكان من هذه الأسر التي مثلت الرعيل الأول آل رمضان وآل عامر وآل بو كنان وآل يوسف وآل عمران وآل حرز ومنهم الشيخ أحمد بن حرز وعائلة التحو وكان أكثر هؤلاء يأتون إلى البحرين ويمكثون فيها أشهراً ثم يغادرونها إلى وطنهم الإحساء يقضون فيه شهوراً أخرى يعاودون بعدها المجيء إلى البلاد وقد فضل أكثر هؤلاء الإحسائيين الأحتفاظ بجنسيتهم السعودية .
وكان من أفراد الأسر الذين أستوطنوا البحرين ثم رحلوا عنها إلى الكويت أفراد من عائلة الشواف .
وكان فريق الحمام الذي ألحق الآن بفريق المخارقة يمر به مجرى ماء أطلق عليه مشبر يخرج من قلعة المنامة التي هي الآن مبنى ديوان عام وزارة الداخلية .
وأطلق على الحي الذي يمر به هذا المجرى فريق المشبر ، كما يوجد حمام بالقرب من مسجد مؤمن الحالي يستعمله المصلون للوضوء لأداء فريضة الصلاة ، كما يستعمله الأهالي لغسل أمواتهم ، أما مياه الشرب فتجلب من عين الدوبية التي تسمى الآن منتزه قصاري ، أما لماذا سمي الفريق بأسم المخارقة فإن هذه التسمية ترجع إلى وجود العديد من الخياطين بالمنطقة يتطلب عملهم إدخال الخيط من ثقب الإبرة لتخطيط الملابس والعبي والبشوت كما توجد جماعة تثقب حبات اللؤلؤ لتعمل منه قلادة تلبسها الفتاة .
أما سكان المنطقة فهم خليط إما من أصول قروية أو مهاجرة من الإحساء والقطيف وقطر وإيران ومن هذه العوائل عائلة أبو دريس التي تسكن شمال المأتم وبيت حاجي محمد بن الموسى الواقع غرب المأتم وعائلة سيدمحمد القصاب وبيت سيدحسين التناك وبيت حاج عيسى القطري وبيت الشعلة وبيت حاجي عيسى الخور وبيت آل أبو علي الذي ينتمي إليه المرحوم أحمد بن جاسم وعائلة السمك والمحروس .
وكانت بيوت تجار اللؤلؤ والخياطين وأصحاب الماشية والتجار من الطين والحجر البحري والفروش والدنجل . أما بيوت الطبقة الفقيرة فهي تصنع من ورق النخيل وسعفها وعصيها وجذوعها .
وقد تمركز معظم الإحسائيين حول مأتمهم الحالي وحافظوا على خصوصياتهم وعلى علاقاتهم بالبلد الأم وفي العقدين الأخيرين هاجر معظم الإحسائيين إلى بلدهم الأم ولم تبق بالبلاد إلا حوالي عشرين عائلة – وقد تجنس أفرادها وأنخرطوا في المجتمع والبعض حافظ على خصوصياته .
أما قصة إنشاء مأتم الجالية الإحسائية فترتبط بالحاج طاهر التحو وهو من الإحسائيين الذين قدموا إلى البحرين في عام 1883م وكان له من العمر آنذاك حوالي خمسة عشر عاماً وسكن في منزل يقع مكان المأتم الحالي وكان يتحلى بروح أجتماعية وحب الخير وخدمة الآخرين سواء كانوا من الإحسائيين أو البحرينيين أو آخرين فكان الإحسائيون المقيمون يقصدونه أما للزيارة والجلوس في مجلسه لقضاء أوقات الفراغ ، أو لقضاء حوائجهم أو لإصلاح ذات البين فيما بينهم وفض المنازعات التي قد تنشب فيما بينهم وكان يقوم بجمع تبرعات للمتضررين والمحتاجين منهم ومن خلال هذا الدور المتميز أصبحت له مكانة وكلمة مسموعة بين الأهالي وكان على أتصال بشأن الإشراف على المأتم مع السلطات المختصة آنذاك والتي كان على رأسها الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة حاكم البحرين السابق ومستشار حكومة البحرين سلمان بن جاسم رئيس الشرطة والأمن في تلك الفترة وقد نشأت فكرة إنشاء مأتم للإحسائيين الموجودين في البحرين في عام 1915م الموافق عام 1334هـ وذلك بعد أن كثر عدد الإحسائيين في البحرين ما بين فلاحين ونجارين وخياطين وأصحاب دكاكين وهي المهن التي يمارسها أفراد جالية الإحسائيين بالإضافة إلى حرفة الزراعة وجلب التمور من الإحساء إلى البحرين ولهم دكاكين في المنامة والمحرق وكان السفر آنذاك يتم بواسطة بطاقة مرور ومن الملفت للنظر أن أفراد الجالية المتزوجين كانوا يسكنون في بيوت تقع حول المأتم ، أما العزاب منهم كانوا يسكنون في خانات تقع معظمها في فريق المخارقة وقرب سوق المنامة القديمة ومن هذه الخانات خان كازروني وخان البصارة ، حيث أتخذت جماعة البصارة ( نسبة إلى البصرة بالعراق ) من الخان الاخير مسكناً ومأتماً لهم .
وقد اتخذ أفراد الجالية الإحسائية في بداية الأمر من منزل أحد التجار وهو الحاج محمد بن سعيد مأتماً لهم لإقامة مجالس العزاء أثناء عشرة محرم الحرام وأطلق على هذا المأتم مأتم سعيد وكان بيتاً كبيراً ومناسباً وأستمر ذلك لمدة عشر سنوات بأسم مأتم سعيد وبإشراف الحاج طاهر التحو .
وكان الحاج محمد بن سعيد كلما أقبل محرم أضطر أن يفرغ منزله من أفراد أسرته وأهل بيته ويتركه للجالية الإحسائية لتتخذ منه مأتماً لها حتى شعر الجميع بالإحراج والضيق مما يتعرض له الحاج محمد بن سعيد ، مما دفع الإحسائيين وجلهم فلاحون يعملون في بساتين الشيوخ والتجار والأعيان وكذلك منهم الخياطون والنجارون الذين قارب عددهم المأئتي فرد وكان الوقت صيفاً وشهر محرم على الأبواب أن يفكروا في أختيار مكان آخر غير هذا المكان ، فطلب الحاج طاهر التحو من الجماعة أن يكون مقر مجلسهم الحسيني في منزله هذا العام ، ثم ذهب الجميع إلى الشيخ محمد علي الجشي وهو من جش بالقطيف وكانوا يتخذونه شيخاً لهم يرجعون إليه في أمورهم العبادية والدنيوية ، حيث أتفقوا على أن يفرغ الحاج طاهر التحو ربع بيته لإنشاء مأتم للحسين (ع) على أن يحمل أسم مأتم الإحسائيين وقد أشترط طاهر التحو على جماعته أن يتخذ من المأتم مجلساً خاصاً له في نفس الوقت ، لأنه كان له مجلس مفتوح طوال العام فوافق الجميع على ذلك وخططت الأرض وبنيت بالتدرج وكانت المرحلة الأولى إنشاء الجدران وبعد عدة سنين أقيم السقف بعد أن كان المأتم يسقف بأشرعة السفن والطرابيل الأخرى ولكن بتعاون وتكاتف الجميع وتبرعاتهم سواء من الإحسائيين أو من أهل قرى البحرين ، تم لهم ما أرادوا وكان من الذين يكتب خطابات المناشدة بالتبرع شخص يقال له سيد صالح ، حدث هذا أثناء الحرب العالمية الثانية وكانت أحوال الناس المالية ضعيفة ، حيث حجم التبرعات أربع أنات للفرد الواحد وكلما حصلوا على مبلغ ما واصلوا بناء المأتم ، حتى أكتمل بناء المأتم خلال عشر سنوات كانوا يقيمون مجالسهم فيها خلال عشرة محرم والمياقيت والمناسبات الدينية الأخرى ، أما تلاوة القرآن الكريم خلال شهر رمضان المبارك ، فكانت من خلال مجالس منازلهم أو مساجدهم ونظراً لأن الإحسائيين ليس لهم مسجد أو بيوت تصلح لذلك فقد أتخذوا من المأتم مقراً لتلاوة القرآن الكريم وإقامة الخطابة الحسينية ولذا فهم أول من أستخدم المأتم في البحرين لهذا الغرض خلال شهر رمضان الكريم .
وأستمروا على ذلك حتى وفاة طاهر التحو عام 1948م بعد أن أكتمل بناء المأتم وأوقف له بعض ما يملك من عقار وقد تولى المأتم من بعده أبنه ميرزا طاهر التحو الذي قام بتجديد بناء المأتم عام 1968م عن طريق أموال المأتم الموقوفة عليه والتي أكملها بحملة تبرعات وأستغرق هذا التجديد مدة ثمانية أشهر أو سنة وخلال عملية إعادة البناء ، أنتقل مجلس الإحسائيين إلى مسجد مؤمن خلال الصباح ، أما المساء فيقرأون في المأتم وهو ما زال تحت طور الإنشاء وقد يرجع طول فترة البناء إلى عمليات الهدم والبناء التي لم يستقر عليها القائمون على المأتم وتعدد وجهات النظر .
وبلغت كلفة البناء حوالي عشرة آلاف دينار غير مواد البناء التي جلبت على أساس تبرعات عينية قدمها أهل الخير مثل التبرع بالأسمنت والباب الخشبي الأوسط ومراوح الكهرباء .
أما أهل القطيف المقيمون في البحرين وهم من المملكة العربية السعودية ، كإخوانهم الإحسائيين ، فقد أتخذوا من مبنى مسجد مؤمن مأتماً لهم ثم ألتحقوا بمأتم بن سلوم ، كما فعل أهل البصرة حتى تركوا البلاد وعادوا إلى بلادهم .
ومن أشهر خطباء مأتم الإحسائيين وهم من مناطق مختلفة ، حيث فيهم البحريني والإحسائي والقطيفي والعراقي ومن هؤلاء ملا أحمد بن رمل ( الإحساء ) وملا داود الكعبي وملا محمد علي عبدالجبار وهو من القطيف وملا حسن البصيري وهو من الكويت وسيدمحمد حسن الشخص وهو من العراق والشيخ محمد الكاشي من العراق ومحمد صالح المحيسن وملا عبدعلي المحيسن وهما من الإحساء وملا عبدالله وملا كاظم بن مطر والشيخ محمد علي حميدان وملا عطية الجمري وأبنه ملا يوسف والشيخ أحمد العصفور والشيخ محمد علي الجشي وكان أعلى أجر آنذاك أربعمائة روبية وقد صرف للملا أحمد بن رمل ، أما البقية فقد تراوحت أجورهم ما بين 150 و200 روبية ، هذا خلال شهر محرم ، أما خلال شهر رمضان فإن أشهر قارئ كان أجره يزيد على المائتي روبية وأستمرت هذه الأجرة حتى نهاية الحرب العالمية الثانية وبعد إنتهاء هذه الحرب أنتعشت أحوال الناس وزادت دخولهم وأرتفعت الأسعار السلع والخدمات بفضل أسعار النفط ، فأرتفعت بذلك أسعار أجور الخطباء .
وأما حكاية إضاءة المأتم أيام زمان وقبل إدخال الكهرباء ، فكانت عن طريق الفنر والفانوس واللمبة وهذه تعمل على الكازولين وبها فتيلة تتكون من شبك أبيض تشعل بالكبريت وفي عام 1923م أدخل التيار الكهربائي في المأتم وأستغنى عن أدوات الإضاءة السابقة والتي أقتصر أستعمالها على إضاءة طرق سير الموكب الحسيني الذي يخرج بأسم المأتم .
وكان موكب عزاء مأتم الحساوية يخرج ليلاً فقط ، أبتداء من ليلة السابع من المحرم وحتى ليلة العاشر منه ، أما صباح يوم العاشر فكان الإحسائيون يشتركون مع مواكب المآتم الأخرى وخلال عام 1952م حدث أرتباك وأحتكاك بين موكب مأتم بن رجي وموكب مأتم العجم على أثرها منع المأتمان من أخراج موكب عزاء وعوضاً عن ذلك طلبت الهيئة العامة المسئولة عن سير مواكب العزاء وسلامتها من مأتم الإحسائيين إخراج موكب عزاء من صباح يوم العاشر من المحرم عوضاً عن غياب موكب المأتمين بن رجب والعجم وتم ذلك وما زال المأتم يخرج موكب عزاء طول ليالي وصباح العاشر من المحرم .
وللمأتم أوقاف تحت إدارة الأوقاف الجعفرية ، منها بيت يقع أمام المأتم أشتراه المؤسس وأوقفه للمأتم وأوقف الحاج أحمد الغواص هو الآخر بيتاً صغيراً للمأتم وتبرعت إحدى النساء المحسنات ببيت ثالث وأوقفته للمأتم وهذه السيدة من آل مهنا من سكنة المنامة وتبرع السيد هاشم السيد عبدالأمير اليوسف بشراء أرض مجاورة للمأتم وأوقفها على المأتم وقد شيد على هذه الأرض بناء وأجر .