جماعة الصفافير والمفرد صفار ، هم الذين يمتهنون مهنة الصفارة وهي عبارة عن صناعة القدور وتصفيرها أي تجديدها بعد أن يتحول لونها إلى السواد من كثرة الأستعمال ، وكانت معظم أدوات أهالي البحرين قديماً من مادة النحاس التي كثيراً ما تصدأ فيضطرون إلى أخذها للصفار لإزالة طبقة الصدأ عنها ، ولكن في العقود الأخيرة حلت الأواني المعدنية والبلاستيكية محل الأواني والقدور النحاسية .
وهذه المهنة كالحدادة والنجارة وصناعة السفن وصناعة الدلال وغيرها من الحرف الشعبية يتوارثها الأبناء عن الآباء ، ولكن الأبناء في السنين الاخيرة عزفوا عنها واتجهوا إلى الأعمال الكتابية السهلة والمهن الأخرى .
لقد كانت سوق الصافير التي تجمع هؤلاء الحرفيين في المنطقة المعروفة سابقاً بسكة اليهود وكان اليهود في السابق لهم تجمعاتهم وأسواقهم ومقاهيهم كما اشتهروا بتجارة البز أي الاقمشة وهذه السوق أي سوق الصفافير كانت تجاور ما يعرف سابقاً بسوق العجم ، وهذا يدل على ما تمتاز به البحرين من تسامح ديني ومذهبي ، وهي ميزة حضرية أمتاز بها شعب البحرين منذ القدم ، حيث سعة الأفق ، ورحابة الصدر وربما يرجع ذلك إلى أسباب عدة منها كون البحرين مجموعة من الجزر يحيط بها البحر من جميع الجهات ، مما أوجد تفاعلاً حضارياً بين شعب البحرين والشعوب الأخرى وساعد على هذا التطبيع كون البحرين مركزاً للهجرة الأجنبية والثقافية كما أنها أي البحرين مركز تجاري .
ناهيك عمّا تمتعت به البحرين من الأراضي الزراعية نتيجة لمياهها الباطنية العذبة .
وقد أنتقلت سوق الصفافير من مكانها قرب سوق البز وسوق العجم إلى منطقة قرب مقهى أبو ضاحي الحالية ، وكان بالقرب من ذلك المكان سارية تسمى سارية الشيخ عيسى بن علي حاكم البحرين السابق ، حيث يرفع عليها علم البحرين ، وهي منصوبة في وسط السوق ، وكانت تعرف ببيرق الشيخ عيسى بن علي ، وبعد عدة سنوات نقلت الهيئة البلدية المركزية سوق الصفافير إلى المكان الحالي .
لقد كانت محلات الصفافير سابقاً عبارة عن أكواخ داخل العماير التي تباع فيها الأخشاب والمناكير والبمبو والدجل والفحم وأخشاب الطبخ ، وكانت هذه المهنة قبل نصف قرن رائجة ولها صناعها وزبائنها ، لأن كل بيت به قدور للطبخ تحتاج إلى تجديد إضافة إلى أن أكثر القدور الكبيرة الخاصة بطبخ المأت وصناعة الحلوى تصنع من صفائح النحاس بالإضافة إلى دلال القهوة العربية .
ومن الذين امتهنوا هذه المهنة عبدالله بن ربيع الصفار ، والحاج سالم بن عبدالله الصفار ، والحاج محمد الصفار ، والحاج ناصر الصفار والحاج عبدالحسين الصفار والحاج علي المطوع الصفار ، أما الصفافير الحاليين منهم الحاج حسن بن الحاج علي المطوع الصفار وعبدالكريم بن محمد كويتان الصفار ، حسن بن عبدالرضا الصفار وعبدالعظيم بن حسن الصفار ، وحاجي محسن بن هلال الصفار ، وعبدعلي ويوسف أبناء محمد جواد الصفار ، ورضا بن حسن الصفار ، وسعيد عبدعلي الصفار ، وعبدالوهاب بن منصور الصفار الذي له دكان في المحرق وخليل بن منصور وأخوه جمعة الصفار ، وقد بدأت مهنة الصفارة كما قلنا في السنين الاخيرة تتراجع كما تراجعت المهن الشعبية التقليدية الأخرى التي طغت عليها الصناعات الحديثة تستورد منتجاتها من هونج كونج وتايوان والهند واليابان ودول الخليج الأخرى التي بدأت تنتشر فيها مثل هذه الصناعات ، وكانت في السابق تعتمد في سد حاجاتها من هذه الصناعات على البحرين .
لقد كان من عادة جماعة الصفافير أن يقيموا العوائد والمياقيت ومجالس العزاء التي تقام خلال المناسبات الأخرى في مسجد الشيخ إبراهيم الذي يعرف بمسجد الحشاش وهو الذي يقع على الزاوية ، حيث يطل على طريق وعلى ممر في فريق الحطب الذي يعرف اليوم بفريق كانو ، كما يطل على مدرسة عائشة أم المؤمنين الإعدادية للبنات ، أما خلال عشرة محرم الحرام فكانت جماعة الصافير تشترك في إقامة التعزية مع مأتم بن رجب سواء من حيث الأستماع إلى خطيب المنبر الحسيني أو موكب العزاء ، وفي إحدى السنين قام الحاج إبراهيم منديل الذي توفى منذ أمد بعيد وكان عميداً لعائلة منديل بالتبرع بأرض لبناء مأتم عليها بأسم جماعة الصافير وأخبر الجماعة بذلك وأقتطع الارض من منزله الذي كان يسكن فيه وكان منزلاً كبيراً ، وقد مضى على ذلك حوالي المأئة عام وكان أبناء الحاج إبراهيم منديل يعيشون في تلك الفترة في الهند وكان رئيس دائرة الأوقاف الجعفرية آنذاك سيدأحمد العلوي والد المرحوم سيد محمود العلوي المستشار المالي لرئيس الوزراء سابقاً وقد توالى على هذه الدائرة على التوالي محسن التاجر ومحمد دويغر وأخيراً ترأس مجلس إدارتها صادق البحارنة .
وقد قام الصفافير بالفعل ببناء مأتم لهم على الأرض التي تبرع بها الحاج إبراهيم منديل بإشراف إدارة الأوقاف الجعفرية ، وكان المأتم عبارة عن رواق واحد وناء وكان بها بئر ما يسمى آنذاك جفر ، وكانت مواد البناء من المناقير والدنجل والبمبو وجذوع النخل والحبال وكان المأتم يغطى في الشتاء بالطرابيل وأشرعة السفن منعاً للرياح الباردة والأمطار الغزيرة ، وبدأت المجالس الحسينية للصفافير تقام في المأتم الذي أطلق عليه مأتم الصفافير خلال عشرة محرم والمياقيت ، أما المشاركة في موكب العزاء ، فقد ظلوا مرتبطين بمأتم بن رجب .
وكانت هذه المجالس منذ البدء يتولى مسؤوليتها الحاج عبدالله بن خلف العوامي ممثلاً لجماعة الصفافير ، ولما توى تولاها الحاج ناصر والد ملا محمد علي الناصري وهو ينحدر من عائلة الصفافير أيضاً ، وبعد وفاته تولاها المرحوم حجي سالم بن عبدالله الصفار وأستمر في تحمل المسؤلية عدة سنوات وكان الحاج حسن بن علي بن عبدالنبي بن عبدالحسين الغتم المعروف بحجي حسن الصفار في ذلك الوقت شاباً نشطاً يقوم بخدمة المأتم نيابة عن الولي الرسمي وهو سالم بن عبدالله نظراً لكبر سنه .
ولأسباب خاصة بدأت جماعة الصفافير تنفصل شيئاً فشيئاً عن مشاركة مأتم بن رجب في موكب العزاء حتى أنقطعوا عنه ما بين 54 – 1956م متخذي من مأتمهم منطلقاً لتسيير موكب عزاء خاص بهم .
ثم تولى مسؤلية المأتم الحاج حسن الصفار منذ ما يزيد على الأربعين عاماً وكان يرأس موكب العزاء ويتحمل مسؤليته أمام وزارة الداخلية المرحوم عبدعلي الجشي .
وقد تم تجديد بناء المأتم عام 1956م على عهد ولاية عبدالله بن سالم ، حيث خصص مبلغاً لإعادة بناء المأتم من قبل إدارة الأوقاف الجعفرية وهو حوالي تسعة آلاف روبية ، وكانت إجراءات البناء للمساجد والمآتم ودور العبادة سهلة في ذلك الوقت ، وقد اشترطت الأوقاف الجعفرية على القائمين تجديد بناء المأتم تسليم المبلغ على ثلاثة أقساط متساوية ، كل قسط ثلاثة آلاف روبية ، القسط الأول بعد أستكمال القاعدة والقسط الثاني بعد بناء الأعمدة والقسط الثالث والأخير عند تسقيف المأتم .
وقد تم البناء الحالي على أكتاف جماعة الصفافير الذين كانوا يبنونه ليلاً بعد أن ينهوا أعمالهم نهارا وذلك عن طريق التعاون والتعاضد والتبرع بلا مقابل ، وكانت تصل التبرعات العينية والنقدية من محبي الخير من التجار والمقاولين والمقتدرين فمثلاً شحنة أسمنت من متبرع وشحنة كنكريت من آخر وشحنة طابوق من ثالث وهكذا .
أما أعمال النجارة والكهرباء والحدادة فقد قام بها أبناء الصفافير أنفسهم ومن الذين ساهموا في هذا المشروع حميد غريب وعبدالنبي العريض وعيسى الزيرة ، حتى أكتمل البناء وأخذ المأتم مكانته بين مآتم المنامة الاخرى ، حيث إقامة المجالس الحسينية خلال العشرة الأولى من المحرم وخلال شهر رمضان والمياقيت وأحتفالات الزواج إقامة الفواتح على المتوفين من الجماعة .
إضافة إلى إقامة مجلس حسيني كل ليلة جمعة طوال السنة ، أما خلال عشرة محرم فيقام المجلس الحسيني في الصباح والمساء .
وللمأتم أوقاف هي بيت يقع خلف منزل الحاج حسن الصفار ووقف آخر مشترك مقابل المأتم ، ووقف آخر عبارة عن عمارة أنشأتها إدارة الاوقاف الجعفرية تقع في منطقة أم الحصم أسمها مجمع الشيخ ميثم ، وهي وقف مشترك بين مأتم الصافير ومأتم الديه ومأتم سلامة بجدحفص ، كما أوقف ولي المأتم الحالي الحاج حسن الصفار أرضاً للمأتم أيضاً ، كما يملك المأتم رصيداً مالياً جيداً ، فقد عوضت الحكومة المأتم بعشرة آلاف دينار مقابل أقتطاع جزء من المأتم لتطوير الشارع الذي يطل أمامه وهو شارع الشيخ عبدالله وهذا الجزء عبارة عن عشرة أقدام ، وهناك أتجاه لاستثمار ممتلكات المأتم بما يدر عليه من أرباح تصرف على تطويره .
وأهم الخطباء الذين صعدوا المنبر الحسيني ملا علي بن رضي وسيد شمس الدين وهو من بغداد لمدة سنة بأجرة أربعة آلاف روبية وسيدحسن القبنجي والملا الشرخات لمدة ثلاث سنوات وهو خطيب مشترك مع مأتم علوي في السنابس والشيخ أحمد العصفور لمدة سنتين والشيخ مرتضى الشارودي ، ثم السيدحسن الوائلي والملا سيد مهدي الشيرازي لمدة ثلاث سنوات والملا الغراوي وهو عراقي الجنسية ولمدة سنة والشيخ كاظم من عبدان بإيران وسيدكاظم القزويني والشيخ عباس قمبر والشيخ منصور حمادة وهو من عين الدار وقد أستمر في الخطابة لمدة أحد عشر عاماً .
ومن الجدير ذكره أن الشيخ عبدالله محمد صالح قد أتخذ من المأتم مدرسة لتدريس علوم الدين واللغة ردحاً من الزمن ، وقد تخرج على يديه العديد من الشيوخ والخطباء الذين صعدوا منبر مأتم الصفافير بعد تخرجهم ، ولو أردنا أن نوضح العوائل التي تحيط بالمأتم الآن وترعاه على أعتبار أن مأتم الصفافير مأتمها ويمثلها لقلنا من هذه العوائل عائلة محمد جواد الشيخ والحاجي سلمان الشيخ وعائلة الحاج محمد بن حسين النوخذة وعائلة الحاج أحمد الشكر وعائلة الحاج عبدالرضا كويتان وعائلة الحاج محمد الصفار وعائلة مهدي القيدوم ، وعائلة العواس ، وعائلة عبدالله بن ربيع وعائلة الحاجي ناصر والحاجي عبدالحسين ، وعائلة الحاج إبراهيم الصفار وعائلة محسن هلال والحاج علي المطوع الصفار وعائلة جاسم المطوع وعائلة حسن العالي وغيرهم من عوائل المنطقة .