مأتم العجم الكبير
لو رجعنا إلى كتب التاريخ التي تناولت تاريخ البحرين في فترة العصر الجاهلي والفترة الإسلامية لرأينا هذه الكتب تشير إلى أن البحرين قد تأثرت كثيراً بالجماعات التي كانت تعيش على جوانب حوض الخليج العربي الذي كان يعرف بالخليج الفارسي ، سواء الجماعات العربية التي تعيش على ضفاف شبه الجزيرة العربية ومدنها وبواديها أو الجماعات التي كانت تعيش في بلاد فارس ولا سيما إقليم فارس المطل مباشرة على الخليج العربي من الشرق ولذا فقد وجدت جالية فارسية تعيش في البحرين منذ القدم لها كيانها الإجتماعي والإقتصادي والديني المتمثل في الديانة المجوسية قبل مجيء الإسلام .
وأستمرت الهجرة الوافدة إلى البحرين سواء العربية منها أو الفارسية تتدفق عبر القرون حتى سنين قريبة .
وقد شكل عجم البحرين أو الجماعات المنحدرة من إيران جالية كبيرة مارست مهنة التجارة ولا سيما تجارة اللؤلؤ والسجاد والمواد الغذائية وتجارة الأغنام والماشية هذا بالنسبة للطبقة الغنية ، أما الطبقة الفقيرة منهم فقد مارست مهناً بسيطة كالبناء والنقل البحري والبري وكنس الشوارع وقد أطلق سكان الخليج العرب على هؤلاء جميعاً العجم .
وعلى العموم فقد عرفت الجالية ذات الجذور الإيرانية في البحرين بحبها الشديد لآل البيت وربما تعزي العديد من مظاهر المواكب الحسينية والمآتم إلى هذه الجماعات رغم أن علماء البحرين والقطيف وجيل عامل في لبنان والعراق هم الذين عرفوا الشعب الإيراني بتراث أهل البيت (ع) نظراً لحداثة تشيعهم الذي بدأ بالدولة الصفوية السنية المذهب .
قصة إنشاء مأتم العجم الكبير
كان عجم البحرين يقيمون مجالس العزاء في بيوت الأعيان والوجهاء وكانوا يشتركون في مواكب العزاء مع موكب عزاء مأتم بن رجب وذلك قبل بناء مأتم مستقل بهم ويرجع ذلك أولاً إلى صلة النسب التي تربط بين إحدى الأسر العجمية البارزة وعائلة بن رجب والسبب الثاني لما تمتعت به عائلة بن رجب في عهد الشيخ عيسى بن علي (1869/1932م) وما تلاه من نفوذ سياسي وأجتماعي وأقتصادي دعا العديد من البيوتات والجماعات تشترك مع مأتم بن رجب سواء في الأستماع إلى خطيب المأتم أو المشاركة في موكب العزاء لا سيما في عهد عبدعلي بن رجب وعبدالله بن رجب .
وكانت جماعات العجم تشترك مع موكب عزاء مأتم بن رجب على أساس جماعات، جماعات مثل جماعة الميناوية وجماعة الجهرمية والبوشهرية وكانت هذه الجماعات تعرف بأسم أفراد مثل فرقة أبو طالب وفرقة سيدصادق وفرقة كلعوض .
وهناك رواية غير دقيقة تقول إنه في عام 1882م تقدم أعيان العجم أمثال الحاج عبدالنبي الكازروني والحاج عبدالنبي بوشهري إلى عميد أسرة بن رجب في البحرين عبدعلي بن منصور بن محمد بن رجب طالباً منه مساعدته في الحصول على الأرض الحالية التي يقوم عليها بناء مأتم العجم الكبير والتي تملكها شاهة بنت منصور بن رجب أخت عبدعلي بن منصور بن رجب وزوجة سيدصادق أحد وجهاء العجم وذلك من أجل بناء مأتم عليها لإقامة المجالس الحسينية فيها وكذلك لظهور موكب عزاء خاص بالعجم فكان لهم ما أرادوا ، حيث بنوا لهم مأتماً على أرض شاهة أخت عبدعلي بن رجب وذلك من سعف النخيل والجذوع والحبال .
وهناك رواية أخرى معتمدة لدى العجم تقول إن مأتم العجم الكبير تأسس عام1882م وكانوا خلال هذه الفترة يقيمون مجالس العزاء في بيوتهم وفي المساجد ، حيث كانوا يجتمعون في مسجد صغير يقع بفريق المخارقة وسط تجمعاتهم وفي أحد السنين تقدم أحد وجهاء العجم وأثريائهم واهباً قطعة أرض لإقامة مأتم عليها ، فبني المأتم الحالي من مواد بناء بسيطة كالجريد وسعف النخيل والدنجل والجذوع وسقف بالطرابيل وأستمر الحال على ما هو عليه حتى عام 1904م ، حيث عزم القائمون على الماتم في بنائه وذلك عن طريق جمع التبرعات من أثرياء العجم أمثال عائلة الكازروني وعائلة البوشهري وعائلة كالعوض وعائلة جواهري وعائلة ديواني وذلك لبناء المأتم من مواد أفضل مثل الحصى البحري والرمل والأسمنت وأستمرت عملية البناء مدة عام ، حيث جهز في عام 1905م ووضع تحت إدارة الحاج عبدالنبي كلعوض كازروني وهو أحد كبار التجار والملاك في البحرين وينتمي إلى أقدم العائلات العجمية في البحرين والتي قدمت من إيران عام 1890م ، ولد الحاج عبدالنبي في عام 1869م ، وقد تميز بحب الخير والأعمال الخيرية والإجتماعية والدينية ، بالإضافة إلى دوره ومسؤولياته في إدارة المأتم وتبرعاته السخية له ، فقد كان من أبرز الشخصيات التي ساهمت في تأسيس مدرجة العجم المعروفة بالأتحاد الوطنية وذلك في عام 1911م ، كما خصص للمأتم أوقافاً عدة وكان أحد أعضاء مجلس الشيخ عيسى بن علي آل خليفة حاكم البحرين الأسبق وكان هذا المجلس يعرف بالمجلس العرفي وبعد وفاة الحاج عبدالنبي كلعوض كازروني تولى إدارة المأتم الحاج عبدالنبي بوشهري الذي ولد في 28 يونيوا من عام 1872م وتوفي 1358هـ الموافق 1938م وقد هاجر من إيران إلى البحرين في 28 يونيوا 1902م وتاجر في اللؤلؤ وأصبح من كبار تجار هذه الصناعة ، كما كان يملك عقارات كبيرة وساهم أيضاً في إنشاء مدرسة العجم وأصبح كخلفه عضواُ في المجلس العرفي ومجلس بلدية المنامة منذ عام 1919م وبعد أنتقاله إلى رحمة الله تغير نظام إدارة المأتم من إدارة فردية تتمثل في شخص واحد كعبدالنبي كازروني وعبدالنبي بوشهري إلى إدارة جماعية مشتركة ، حيث أنشئت جمعية تكون عضويتها من قبل أفراد ينتمون إلى الأسر البحرينية العجمية الكبيرة كل حسب قدرته المالية وأستعداده لتقديم خدمة عامة ومن هؤلاء المشاركين في التبرعات بسخاء الحاج عبدالنبي كلعوض كازروني والحاج عبدالنبي بوشهري وعلي كاظم بوشهري وخليل مرتضى ديواني وعباس كازروني وغيرهم ، أما اللجنة المسؤولة عن أنتخاب إدارة المأتم فقد تكونت في 1 شوال عام 1371هـ الموافق 7/6/1952م وذلك من قبل عضوية كل من الحاج محمد طاهر آل شريف وميرزا عباس إيراني والحاج خليل دواني ومهدي عباس كارزوني وحاج حسين علي كاظم بوشهري الذي عين أميناً للصندوق ومهدي محمود منيري وحجي علي حجي وزايد محمد أسيري وعلي باش حاجي حيدر رويان ، حيث أنتخب المجتمعون من بينهم أعضاء إداريين لإدارة المأتم وأول عمل قامت به هذه اللجنة هو إعادة بناء المأتم من جديد وذلك في عام 1960م .
وهناك مأتم آخر للنساء تم بناؤه على أرض تبرعت بها عائلة بوشهري في عام 1907م وأسندت مسؤولية إدارة وتمويل هذا المأتم إلى الوجيه علي كاظم بوشهري وقصة إنشاء هذا المأتم هو أن قسماً من بيت بوشهري بفريق المخارقة خصص لإقامة مجالس العزاء للنساء وبعد مرور عدة سنين أنتقل النساء بمأتمهن إلى بيت منفصل من أملاك عائلة بوشهري وبمرور الزمن أضيفت إليه عقارات مجاورة له كانت ملكاً لأولاد وأخو عبدالنبي بوشهري .
وفي إحدى المرات قام الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس مجلس الوزراء بزيارة إلى منزل المرحوم الشيخ عبدالرحمن المهزع الواقع في تلك المنطقة وقد لاحظ صغر بيت الشيخ المهزع رحمه الله فأمر بإضافة أرض تابعة لعائلة بوشهري إلى بيت الشيخ المهزع على أن تعوض الأرض بأخرى وعليه فقد منح بوشهري أرضاً بدلاً من أرضه التي ضمت لمنزل المرحوم عبدالرحمن المهزع وهذه الأرض الممنوحة ضمت إلى مأتم النساء حيث أعيد بناء المأتم من جديد .
وكانت إنارة مأتم الرجال ومأتم النساء بواسطة الفوانيس واللمبات التي تعمل على الكازولين وبعد أستبدال ذلك بالتيار الكهربائي وصلت لمأتم الرجال في 11/6/1926م وبعد أسبوع أدخلت إلى مأتم النساء ، حيث ركبت 16 لمبة كهرباء لمأتم الرجال في الداخل والخارج وربما يكون هذا المأتم أول من أدخلت إليه الكهرباء قبل المآتم الأخرى .
ولمأتم العجم الكبير أوقاف منها ما هو مشترك بينه وبين مسجد الحوطة المعروف بمسجد الجامع وهذا الوقف أوقفه كل من الشيخ عيسى بن علي آل خليفة حاكم البحرين السابق والمرحوم الحاج عبدالنبي كازروني وشرح ذلك أن الشيخ عيسى بن علي قد باع عقاراً في فريق المخارقة على المرحوم عبدالنبي بوشهري بسعر زهيد بشرط أن يؤول وبعد وفاة بوشهري وقفا مناصفة . والمأتم يخرج موكب عزاء مشترك لجميع عجم البحرين ، حيث تلتقي مواكب العجم كلها مثل موكب عزاء مأتم العجم الكبير ، موكب عزاء مأتم ولي العصر وموكب عزاء مأتم كلبهرام وموكب عزاء سنككلي وموكب عزاء الجهرمية موكب عزاء سيد صادق تتقدمهم الأعلام والصنقل والقامة والخيول والشبيهات والصدر ويظهر هذا الموكب الكبير بعد إنتهاء مواكب المنامة الأخرى .