تلمذ عند الشيخ أحمد بن حرز الجدحفصي وتقدم في دروسه الإسلامية .
كان يعمل بالزراعة ويرفض بشدة العمل في القضاء والمحاكم ، خاصة وأن المحكمة الجعفرية في العشرينات والثلاثينات الميلادية – التي هي عصره – لم تكن تسلم من السيطرة الخارجية والتدخلات البريطانية .
لذلك أرتآى الشيخ جواد أن يعتزل المخالطة فأختار المسجد والمزرعة والبيت !
للقارئ هنا أن يسأل : هل كان من الصواب قرار العزلة ؟!! في حين كانت البلاد في تلك السنوات تعيش الإضطرابات الواسعة ؟.
الأفضل أن نقرأ مع القراء الأعزاء قصة ذكرها الشيخ إبراهيم التوبلاني في كتابه المخطوط حول ( ماضي البحرين وحاضرها ) لعلّها تعيننا لمعرفة خلفيّات قرار الشيخ في الإعتزال رغم كونه محمود السيرة متواضعاً بين أهل قريته وعند المعاشرين له ، يقول الشيخ إبراهيم ( عليه الرحمة والرضوان ) : إنّ الشيخ :
" دُعي إلى القضاء مراراً فأبى وعاصر الفوضي وكان يوماً في داليته مع أجير له وإذا هو يرى هيئة الإنتخاب قد دخلوا عليه الدالية ، فعلم مرادهم ، فحزم ثيابه ولفّ أكمامه على هيئة الحشّاشين !
وأخذ المحش بيده وصار يحشّ ويجمع الحشيش ، فلما وصلوا إليه سلما عليه وخاطبوه عن ذلك ورغّبوه في قبول الوظيفة ! .
فقال : كلّ ما ذكرتموه من نتايج الوظيفة فهو يسرّني كثيراً لما فيه من البهجة والكرامة والغنى الواسع عن الإمتهان ، لكن هل يسرّكم أنتم إذا قيل لكم ( أن قاضيكم جواد الحشّاش ) ! فآيسوا من قبوله وتركوه لشأنه " .
هذه القصة لها دلالة خفيّة على أن أعتزال الشيخ لم يكن ذا خلفية نفسيّة أو عقد أجتماعية بل كانت لها دوافع سياسية انعكست على شخصيته من خلال مقاطعته للسلطة .
فالشيخ جواد البلادي ( رحمه الله ) لم يعتزل الناس أذن وأنما أعتزل ما يربطه بعدوّ الناس .
نؤكد على صحة هذا الإستنتاج من منظار النقاط التالية :
1- أن الهيئة الإنتخابية التي جاءته في مزرعته عرضت عليه اغراءات كثيرة ، مما تعني أن بعض الجهات كانت وراء القضية والا فان الفقراء من أبناء الشعب من أين لهم ذلك ! .
2- طريقة الشيخ في التهرّب من طلب الهيئة لا تدل على عقد نفسيّة أو ما أشبه ، أنما تدل على فطنة الشيخ التي صبّها في قالب المزاح والتلطيف .
3- إذا كان الشيخ معتزلاً عن الناس . كيف يُعقل أن يكون ( محمود السيرة بينهم ) كما يذكره التاريخ . فهل يجتمع هذا مع كونه لا يساير الناس ولا يعاشرهم ؟! .
4- من الواضح أن أختيار عمل الزراعة وأجتناب عمل القضاء والمحكمة في ظلّ بعض الظروف القاسية . كان من سيرة الأئمة الطاهرين من أهل بيت النبي محمد (ص) وفي ذات الوقت كانوا (ع) يوجّهون المسلمين ويرّبونهم على الفضائل ويبصّرونهم الواقع مباشرة وغير مباشرة .
5- لعل قرارا الشيخ يتعلّق بالإنتفاضة والتضامن مع الجماهير التي كانت تضرب عن العمل وتحتج على ممارسات الحكومة آنذاك وهذا كأحتمال لا يرفضه السياق التاريخي ما دمنا لم نحصل على قرينة الخلاف أو دليله .
وهكذا فانّ العلماء رغم خلفاء عملهم من ناحية وعدم تدوين أكثر مواقفهم من ناحية أخرى وأتلاف أكثر ما دُوّن عنهم في الأحداث الدموية والتخريبية من ناحية ثالثة ، فإنهم رغم ذلك كله لم يتوانوا في نشر معالم الدين وبناء المساجد والمدارس والمؤسسات الإسلامية والخيرية وكانوا يتجنبون الطغاة قدر المستطاع وعلى ضوء منهج التقية الشرعية وذلك من أجل دنيا الناس وآخرتهم معاً .
هذا وللقراء أن يستخرجوا المزيد من الدلالات الخفيّة لإثبات الحقائق التاريخية في تاريخ البحرين الإسلامي وحياة علماء الدين .
ولقد أنتقل الشيخ جواد البلادي إلى جوار الله تعالى ليلة الخميس الثامن من شهر ربيع الأول سنة 1353هـ ، نقل جثمانه إلى مقبرة ( أبو عنبرة ) ودفن عند أسلافه الصالحين عليهم جميعاً رحمة ربّ العالمين .
أبرز صفاته وعطائه :
العلم ، الورع ، تجنب الظالمين ، الكدّ .